يكثر الكلام خاصة فى الفترة الأخيرة عن ماهية التنمية البشرية وهل هو علم فعلاً أم مجرد اجتهادات فردية تم تجميعها من متخصصين فى التدريب وخلافه، ونريد أن نوضح فى السطور القادمة ملامح هذا الموضوع بشكل يقرب المعنى للأذهان ببساطة وإيجاز.
بدأ مفهوم التنمية البشرية يتضح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج البلدان التي شاركت في الحرب مصدومة من الدمار البشري والاقتصادى الهائل وخاصة الدول الخاسرة. فبدأ بعدها تطور مفهوم التنمية الاقتصادية وواكبها ظهور التنمية البشرية لسرعة إنجاز التنمية لتحقيق سرعة الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه الدول بسبب الحروب. ومن هذا التاريخ بدأت الأمم المتحدة تنتهج سياسة التنمية البشرية مع الدول الفقيرة لمساعدتها في الخروج من حالة الفقر التي تعاني منها، مثل ما قامت به مع كل من بنجلاديش وباكستان وغانا وكولومبيا وكثير من الدول الأخرى.
تطور مفهوم التنمية البشرية ليشمل مجالات عديدة مثل التنمية الإدارية والسياسية والثقافية، ويكون الإنسان هو القاسم المشترك في جميع المجالات السابقة.
التنمية البشرية هي منهج يهتم بتحسين الموارد والنوعية البشرية في المجتمع
ولهذا فتطور البناء الإداري والسياسي والثقافي له مردود على عملية التنمية الفردية من حيث تطوير انماط المهارات والقيم والمشاركة الفعالة للإنسان في عملية التنمية إلى جانب الانتفاع بها. وعلى هذا يمثل منهج التنمية البشرية الركيزة الاساسية التي يعتمد عليها المخططون وصانعو القرار لتهيئة الظروف الملائمة لإحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وبعد كل هذا يمكن إجمال القول أن التنمية البشرية هي المنهج الذي يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع وتحسين النوعية البشرية نفسها.
أهم عوامل التنمية البشرية
1.الأوضاع السكانية: الاستغلال الأمثل للموارد البشرية
2.الأوضاع السكنية: ارتفاع مستويات المعيشة وانخفاض الكثافة السكانية
3.الأوضاع الصحية: تحسن مستويات الرعاية الصحية وانخفاض الوفيات وارتفاع معدلات الحياة
4.أوضاع العمل: تطور تقسيم العمل وارتفاع المهارات الفنية والإدارية
5.الأوضاع التقنية: استخدام التقنية وتوطينها
6.الأوضاع الإدارية: تطور أساليب الإدارة واعتماد أسلوب التخطيط
7.الأوضاع الاجتماعية: نمو ثقافة العمل والإنجاز وتغير المفاهيم المقترنة ببعض المهن والحرف
8.الأوضاع الطبقية: مرونة البناء الاجتماعى والمساواة الاجتماعية
9.الأوضاع السياسية: عدم احتكار السلطة وتحقيق الديمقراطية
10.الأوضاع النفسية: ضرورة تهيئة المناخ النفسى العام والتشجيع على التنمية
مفهوم التنميه البشرية:
هناك تعاريف كثيرة لمفهوم التنميه البشرية، منها ما ورد في مقدمة الإعلان العالمي عن حق التنميه الذي اُعتمد ونشر في عام 1986م، والذي يعتبر أن التنمية هي:
“عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة في التنمية، وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها”.
ووفق هذا التعريف فإن الإنسان هو الموضوع الأساسي في التنمية البشرية، لذلك فقد كثرت الدراسات والمؤتمرات التي حاولت ان تحدد مفهوم التنمية البشرية ودراسة أبعادها ومكوناتها وأنواعها وغاياتها، كإشباع الحاجات المختلفة، ورفع مستوى المعيشة، ورفع مستوى التعليم، وتحسين نوعية حياة الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية …إلخ.
وبالمختصر فإن مفهوم التنمية البشرية يستند إلى الإنسان وتكون غايته الإنسان، فهدف التنمية البشرية هو تنمية الإنسان في مجتمع ما من كل النواحي: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والفكرية. وهذه التنميه يجب أن تكون:
1 ـ تنمية شاملة: بحيث تشمل كل مناحي الحياة في البلد النامي سواء السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتشمل جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية الموجودة فيه، وتشمل كذلك جميع سكان هذا البلد مهما اختلف جنسهم أو لونهم أو معتقدهم، وتشمل أيضاً كل فرد بذاته جسدياً ونفسياً وروحياً. فهي لا تترك أي ناحية في هذا البلد إلا وتعمل على تطويرها وتحسينها.
2 ـ تنمية متكاملة: تهتم بجميع الأفراد والجماعات والتجمعات والمجالات المختلفة والمؤسسات الحكومية والأهلية من ناحية تفاعلها مع بعضها، بحيث تكون غير متنافرة ولا متناقضة، ولا يمنع نمو أحدها نمو الآخر أو يعرقله.
3 ـ تنمية مستدامة: تسعى دائماً للأفضل، وتكون قابلة للاستمرار من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية وثقافية. ومفهوم التنمية البشرية المستدامة يعتبر الإنسان فاعل أساسي في عملية التنمية وليس مجرد مستفيد من منتجات التنمية دون مشاركة نشيطة فاعلة.
وقد انتشر مفهوم التنمية في قارتي آسيا وافريقيا خاصة، حيث اُستخدم بداية في المجال الاقتصادي ليدل على عملية إحداث مجموعة التغيرات الجذرية في مجتمع ما بهدف إكسابه القدرة على التطوير الذي يضمن تحسين حياة أفراده، وزيادة قدرته على الاستجابة للحاجات الأساسية والمتزايدة والمستحدثة لهؤلاء الأفراد.
ثم انتقل مفهوم التنمية إلى السياسة فوصف بأنه عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية، من حيث ايجاد نظم سياسية تعددية على شاكلة النظم الأوروبية.
وفيما بعد تطور مفهوم التنمية وارتبط بالعديد من الحقول الأخرى، فالتنمية الثقافية والمعرفية تسعى لرفع مستوى الثقافة وتهدف إلى رقي الإنسان. والتنمية المجتمعية أو الاجتماعية تهدف إلى تطوير تفاعل أطراف المجتمع جميعاً: الفرد والجماعة والمؤسسات الاجتماعية والحكومية والأهلية. وكانت التنمية البيئية تسعى إلى الحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك مواردها بصورة سليمة.
الأبعاد الإستراتيجية للتنمية البشرية
في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي القديم كان هناك تصور سائد لدى أكثرية البشر؛ يرى هذا التصور أن رفاهية الإنسان والمجتمع إنما تتحقق بمقدار ما يحصل عليه الإنسان من الثروة؛ باعتبارها محور السعادة والتقدم. إلا أن هذا التصور بدأ – في نهايات القرن الماضي- يتلاشى شيئا فشيئا؛ وذلك بعد أن تأكد أن الثراء وحده ليس الشرط الوحيد لتحقيق الكثير من الأهداف الاجتماعية والسياسية المهمة للأفراد والمجتمعات.. هذا فضلا على أن حاجات الإنسان ليست كلها حاجات مادية فحسب، بل ان حاجاته تمتد إلى تحقيق مستويات ثقافية أعلى تتيح للإنسان أن يحيى حياة هانئة، ويمارس مواهبه، ويطور قدراته.
ومنذ ذلك الحين، بدا للجميع أن الرأسمال المادي ليس هو وحده الضامن الحقيقي لرفاهية وسعادة الإنسان، بل لابد أن يكون هناك استثمار في الرأسمال البشري ذاته بغية تحقيق الغايات الإنسانية الأسمى، بتجاوز المفهوم المادي للرفاهية الإنسانية، إلى الجوانب المعنوية والحياة الإنسانية الكريمة التي تشمل التمتع بالحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوافر الفرص لاكتساب المعرفة والإنتاج والإبداع، والكرامة الإنسانية.
لقد حظي مفهوم “التنمية البشرية” بمكانة مميزة في الفكر التنموي، عبر أدبيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك منذ عمله الرائد بإصدار تقرير التنمية البشرية الأول عام 1990، ودأبه على تطوير المفهوم واغنائه عبر التقارير الدورية التي واظب على اصدارها. وحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يتسع مفهوم التنمية لأبعاد ثلاثة هي:
- تكوين القدرات البشرية، مثل تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات
- استخدام البشر لهذه القدرات في الاستمتاع، أو الإنتاج – سلعاً وخدمات- أو المساهمة الفاعلة في النشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية
- مستوى الرفاهية البشري المحقق في إطار ثراء المفهوم المبين.
وبهذا صار الفكر التنموي أكثر اهتماما بمسائل العدالة في توزيع الدخل وتحليل الفقر وأهمية الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع. كما أنه نبه إلى أهمية التركيز على تراكم رأس المال البشري، ودللت العديد من الدراسات على أن الإنفاق على التعليم- مثلا- يخلق عوائد اقتصادية تعادل أو تزيد على العوائد التي يمكن أن يحققها الاستثمار في الرأسمال المادي.
وفي الثمانينيات من القرن الماضي؛ باتت المقولة المحورية في منهج التنمية البشرية، هي أن التنمية تعد عملية توسيع قدرات الناس لأكثر من كونها زيادة منفعة، أو رفاهية اقتصادية، أو إشباع حاجات. وبهذا المعنى؛ تشكلت للتنمية البشرية أبعاد عدة:
1- التمكين: المقصود بالتمكين هو تطوير قابليات الناس بوصفهم أفرادا واعضاءً في مجتمعاتهم. أي لا ينبغي للتنمية أن تتحقق من أجل الناس فحسب؛ بل ينبغي لهم أنفسهم أن يحققوها، فالناس الممكنون أقدر على المشاركة في القرارات والعمليات التي تصوغ حياتهم.
2-الإنصاف: يؤكد مفهوم التنمية البشري على الإنصاف في بناء القدرات وإتاحة الفرص المتكافئة للجميع، ولا يقتصر الأمر على الدخل المادي وحسب، بل يتسع ليشمل إلغاء العوائق القائمة على أساس النوع الاجتماعي، أو العنصر أو القومية أو التحدر الطبقي، أو أية عوامل أخرى تحول دون الحصول على الفرص الاقتصادية والسياسية والثقافية
3-الاستدامة: وهو ما يعرف بالتنمية البشرية المستدامة، والتي تعني توفير احتياجات الجيل الحاضر من دون المساومة على مقدرة الأجيال القادمة على التحرر من الفقر والحرمان. وعليه يجب توفير فرص التنمية البشرية للأجيال الحالية والمستقبلية ومنع تراكم أعباء تتحمل تبعاتها الأجيال المقبلة، مثل الديون المالية الناشئة عن قروض خارجية أو محلية طويلة الأجل، والديون الاجتماعية الناشئة عن إهمال الاستثمار في تنمية القدرات البشرية، والبيئية، وغيرها.
4-المشاركة: تعني أن يتمكن الناس باعتبارهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات من المشاركة في صنع القرارات؛ حتى يسهموا بفعالية في العمليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تؤثر في حياتهم.
5-الحرية: تقول التنمية البشرية أن الناس ماداموا فقراء، وماداموا مرضى، وماداموا أميين، وضحايا أو مهددين بنزاعات عنفية، أو محرومين من الصوت السياسي، فهم لا يمتلكون حريتهم، وحيث إنهم لا يمتلكون حرياتهم فان التنمية البشرية تظل معطلة حين ذاك.
وعليه؛ يمكن النظر إلى التنمية بوصفها عملية توسيع الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس. وتتضمن الحريات؛ الحرية ضد التمييز، والتحرر من العوز، والتحرر لتحقيق الذات الإنسانية، والتحرر من الخوف، والتحرر من الظلم، وحرية المشاركة والتعبير، والانتماءات السياسية، وحرية الحصول على عمل.
وبالتالي، ومن خلال جوهر أبعاد التنمية البشرية؛ نجد أن الإنسان لابد أن يكون الوسيلة والهدف النهائي للتنمية البشرية، ولابد أن تصب كل حصيلة انجازاتها لصالحه، فهو خليفة الله في الأرض وهو الذي كرمه وفضله؛ بقوله تعالى:” ولقد كرمنا بني آدم…
اترك تعليقًا